أثناء اجتماعاتنا مع رواد الأعمال لأجل برامج فلك الاستثمارية قابلنا عدة رواد أعمال صاعدين يطلبون من فريق الاستثمار لدينا بأن يوقعون على عقد اتفاقية السرية قبل مشاركتهم للفكرة معنا. ردة فعلنا الأولى لمثل هذه المواقف هي: الاجتماع ملغي. إن اعتقد أي رائد أعمال صاعد بأنه هو الفرد الوحيد الذي يفكر بفكرة معينة فهو واهم، ونعلم على الفور بأنه لا يتناسب مع معاييرنا لأن الحقيقة المطلقة هي كالتالي: في الوقت الذي تفكر به بفكرة وتبتكرها وتقوم بأبحاث عنها هناك عشرات الأشخاص إن لم يكونوا مئات يعملون على نفس الفكرة فلا شيء من ذلك يهم، كل ما يهم هو التنفيذ.


مع ذلك، عقد اتفاقية السرية يصبح مهم في حال وجود أسرار تجارية أو أرقام حساسة ولكن هذه الأسرار والأرقام تأتي فقط بعدما تنفذ الفكرة وتصبح واقع حي.



الأفكار (ضد) التنفيذ


الأفكار العادية بتنفيذ مذهل قد تصبح أفكاراً خلابة إذا نُفذت بالشكل الصحيح، والأفكار العبقرية التي تفتقر للتنفيذ لا تستحق وقتاً للحديث عنها حتى.

بعد تطرقنا للموضوع، لماذا العديد من الأفكار العبقرية تموت فور ولادتها؟ الإرادة المطلوبة لتنفيذ فكرة إبداعية لا يمكن مقارنتها مع الإرادة لكتابة خطة عمل على ورق. هناك 3 مكونات مهمة جداً للتنفيذ الناجح ألا وهي: التركيز، والدافع، والتفكر.

فمع التركيز، ستجد الالتزام المطلوب لإكمالك تنفيذ الفكرة.

ومع الدافع، ستجد بداخلك ما يحفزك لترفع رأسك شامخاً أمام الصعاب.

ومع التفكر والتمعن ستكون قادراً على تحديد ما إن كنت على الطريق الصحيح أم لا وستعرف مالذي يحتاج إلى التطوير بناءًا على قراءات السوق الفعلية. 


نيتفليكس

فلنأخذ نتفلكس على سبيل المثال: بدأت الشركة كخدمة تأجير الأقراص المدمجة بأسعار مرتفعة ويقومون باحتساب رسوم التأخير على العملاء. كانت "بلوكبستر" تملك الحصة الأكبر في سوق تأجير الأقراص المدمجة في ذلك الوقت، وكانت نتفلكس بحاجة ماسة للابتكار لتتمكن من المنافسة فبلوكبستر لديها القدر الأكبر من الموارد والعملاء.


أول فكرة مبتكرة قدمتها نتفلكس ظهرت في وسط عمليات التشغيل حينما قررت أن تصبح قائمة على الاشتراك وتدع العملاء يدفعون لمرة واحدة كل شهر كرسوم لتأجيرها الأقراص المدمجة. مع تطور الفكرة تخدم نتفلكس الآن أكثر من 120 مليون مشترك مع عوائد سنوية تقدر بـ 12 مليار دولار أمريكي. لا بأس بالنسبة لشركة بدأت من أساسها كخدمة تأجير للأقراص المدمجة فحسب. 

ابتكار نتفلكس الأول حصل عندما عرضت خدمات الاشتراك لتأجير الأقراص المدمجة بلا رسوم على التأخير وارسال الأفلام بالبريد لمنازل العملاء؛ وبذلك تعلموا كيفية اقتراح الأفلام للعميل بناءًا على اختياراته السابقة وتنسيق العمليات اللوجستية لشحنها للعميل.

ابتكارها الثاني اتى عندما أصبحت الشبكة ذات النطاق العريض منتشرة في كل مكان فانتهزت الفرصة ببناء هيكلة بث ضخمة فيما تحسن من محرك المقترحات للعميل ليُقترح على المستأجرين أقراصهم المدمجة التالية التي عليهم مشاهدتها. والأهم من ذلك، وبنفس هذه المرحلة من تطورها تعلمت أيضا كيف لها أن تفاوض استوديوهات الأفلام لترخيص الحقوق معها.

تطوير محتوىً خاصاً بنتفلكس كانت الفكرة الثالثة الأصعب والأكثر تعليماً. فقد تمكنت من التنافس مع استوديوهات هوليوود والتي لها باع طويل وعصور من الخبرة في المجال. اليوم نتفلكس تعد رائدة في الفيديوهات والأفلام الأصلية؛ فمن البيانات التي كانت لديها تعلمت ما نوعية المحتوى الذي تحتاج إلى تطويره وكانت لديها الجرأة بأن تزايد المنافسين، بإيمانها القوي بمحتوى معين وبأن هذا المحتوى هو الفائز في المنافسة.

قراءة كل أفكار نتفلكس الابتكارية وخبراتها المستفادة طوال مسيرتها نرى: 1- التركيز الذي جعل نتفلكس تلتزم بالابتكار باستمرار في قطاعها، 2- الدافع الذي أبقى على حافز نتلفكس بأن تكون في الطليعة وتتمكن من التنافس بتلبية حاجيات عملائها باستمرار، وأخيراً 3- التفكر الذي جعل نتفلكس تكتشف الفرص التي عليها اقتناصها وكيف تتجنب ارتكاب نفس أخطاء منافسيها بكونهم ينامون بسلام بلا أي حسبة لوجود من قد يحصل على الأسبقية في السوق – مثلما حصل مع بلوكبستر عندما بدأت نتفلكس بعملها الدؤوب.

الحقيقة هي أن السوق والتجربة والعمليات هي ما قادتها للتفكير بحل أكبر لما كان متوفرًا حينها. لم تكن الشركة لتوجد اليوم لو انتظرت لأن تظهر الفكرة فحسب أمامهم بإنشاء نتفلكس، كما هي اليوم، بمواردهم وامكانياتهم في ذلك الوقت، فتلك ليست بالفكرة الجيدة.

الأفكار لوحدها لا تساوي شيئاً فكل ما يهم هو التنفيذ – فلا تقلل من أهمية التنفيذ، لفكرة عظيمة (لقلنا فكرة جيدة ولكن الجيد لم يعد جيداً بما فيه الكفاية).